يؤكد الكاتب روني ب. ساسمِتا أنّ سلسلة الحوادث التي استهدفت المسلمين في الهند خلال الأعوام الأخيرة تكشف عن تآكل الأسس الأخلاقية لما يُسمّى أكبر ديمقراطية في العالم. فالهند لم تعد قادرة على الادّعاء بأن هذه الانتهاكات استثناءات عرضية، بل تعكس نمطًا ممنهجًا من العداء للإسلام تصاعد بوضوح خلال حكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزب “بهاراتيا جاناتا”. تتحدث الهند عن التعددية في الخارج بينما تُكرّس الإقصاء في الداخل، في مفارقة فاضحة ينبغي أن تدفع دول الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في علاقاتها المتسارعة مع نيودلهي.
يشير تقرير ميدل إيست مونيتور إلى أنّ حوادث قتل المسلمين بذريعة “حماية الأبقار” صارت مشهدًا متكرّرًا خلال العقد الأخير، دون عقوبات رادعة، فيما تُقنّن الدولة التمييز من خلال قوانين مثل “قانون تعديل الجنسية” الذي يفضّل ديانات على أخرى. كما يُظهر التهميش السكني للمسلمين في مدن هندية عدة أن العدالة في البلاد تُطبّق بانتقائية. والأسوأ أنّ القيادة السياسية تدرك هذه الانتهاكات لكنها تواصل التغطية عليها بخطابات “الوحدة والتنمية”، بينما تتغذّى قاعدتها الشعبية على القومية الهندوسية التي تزرع الشك والكراهية تجاه المسلمين. هكذا تتجلّى الازدواجية: تطلب الهند الاحترام على الساحة الدولية، لكنها تحرم جزءًا من شعبها من أبسط حقوق المواطنة.
تختبر الديمقراطيات بنحو حقيقي في كيفية تعاملها مع الأقليات لا الأغلبية، وعلى هذا المقياس تخفق الهند. فالمؤشرات العالمية لحرية الدين والتعبير تُظهر تراجعًا واضحًا، في حين يواجه الصحفيون والناشطون ملاحقات قضائية وترهيبًا عندما يفضحون التمييز ضد المسلمين. وتخدم هذه الإجراءات غرضًا واحدًا: الحفاظ على صورة زائفة من “الوحدة الوطنية” بينما يتفكك النسيج الاجتماعي داخليًا.
يدعو الكاتب دول الشرق الأوسط إلى الانتباه لهذه المفارقة. فالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الهند ودول الخليج توسّعت بشدّة في السنوات الأخيرة، خصوصًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية، لكن هذه الشراكات لا ينبغي أن تكون بلا شروط. تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي نفوذًا كبيرًا على شريان الطاقة الهندي، ويمكنها استخدامه للمطالبة بضمانات حقيقية لحماية الحريات الدينية. لا مبرر أن تواصل الدول ذات الأغلبية المسلمة دعم حكومة تسمح بعداءٍ ممنهج ضد المسلمين.
ويضيف الكاتب أنّ الاستثمارات القادمة من الخليج في السوق الهندية تُستغل سياسيًا لتجميل صورة نيودلهي عالميًا، بينما تُمارس في الداخل سياسات تُناقض مبادئ العدالة والمساواة. لذا ينبغي لصناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط أن تربط استثماراتها بإصلاحات واضحة تُعيد التأكيد على علمانية الدولة وحقوق المواطنة المتساوية. فالحجة القائلة إن “الانخراط الاقتصادي يجلب الاعتدال” أثبتت زيفها، إذ ازدادت نزعات الكراهية في الهند كلما ارتفع مستوى التعاون التجاري.
يتناول المقال أيضًا البعد الجيوسياسي للأزمة، فالهند تسعى لتقديم نفسها كقائدٍ للعالم الجنوبي وشريكٍ للدول الإسلامية، بينما تُغذي في الداخل خطابًا يصوّر المسلمين كغرباء أو تهديدات أمنية. هذه الازدواجية، بحسب الكاتب، تُقوّض مصداقية نيودلهي الدبلوماسية، وعلى قادة الشرق الأوسط أن يدركوا أن استمرارها سيضرّ بمصالحهم مستقبلًا.
ويقترح الكاتب خطوات عملية لردع الهند عن هذا المسار، منها تقليص الامتيازات التي تمنحها دول الخليج للهند في أسواق النفط أو تعديل شروط التصدير لجعلها أكثر صرامة، ما سيجبر الحكومة الهندية على مراجعة سياساتها. كما يدعو إلى ربط استمرار التعاون الأكاديمي والثقافي بتحسّن أوضاع الأقليات الدينية داخل الهند، لأن نيودلهي تستخدم قوتها الناعمة – من جالياتها وثقافتها – لتلميع صورة مزيفة عن التعايش.
ويفنّد الكاتب الحجة القائلة إن الضغط على الهند سيدفعها إلى أحضان قوى كبرى مثل الصين، موضحًا أن حاجتها إلى الطاقة الخليجية والاستثمارات العربية لا يمكن تعويضها بسهولة. فالهند تعتمد بشكل كبير على النفط المستورد، وتحتاج إلى رأس المال الخليجي لتحقيق طموحاتها الاقتصادية، وهو ما يمنح الشرق الأوسط ورقة ضغط قوية ينبغي استغلالها.
ويرى الكاتب أن الخشية من إثارة غضب القوميين الهندوس غير مبررة، لأن هذا الغضب قائم أصلًا ومُستخدم سياسيًا. لذلك فإن ربط التعاون الاقتصادي بالمسؤولية الأخلاقية هو خطوة ضرورية لا عقوبة. فمن غير المقبول أن تستمر الهند في التبشير بالتعددية خارج حدودها بينما تمارس الإقصاء داخلها.
يختتم الكاتب مقاله بالتأكيد أنّ ديمقراطية الهند أمام مفترق حاسم. فإما أن تترجم وعودها الدستورية بالمساواة والحرية إلى واقع ملموس، أو أن تواجه عزلة متزايدة من شركائها التقليديين في الشرق الأوسط. فالصمت الدبلوماسي مشاركة في الظلم، والسخاء المالي بلا شروط مكافأة على التمييز. حتى تُظهر نيودلهي التزامًا حقيقيًا بسيادة القانون والمواطنة المتساوية، يجب على دول المنطقة إعادة النظر في عمق علاقاتها معها، لأن استعادة الهند لمكانتها الأخلاقية تبدأ فقط من اعترافها بما فقدته داخليًا.
https://www.middleeastmonitor.com/20251025-the-hypocrisy-of-indias-democracy-and-why-the-middle-east-should-rethink-its-ties/

